تعرف على الباندا الدبلوماسي الذي قرّب بين أميركا والصين

تعرف على الباندا الدبلوماسي الذي قرّب بين أميركا والصين
صورة تعبيرية إلي اليمين صورة لحيوان الباندا و إلى اليسار صورة للقاء ماو تسي تونغ و ريتشارد نيكسون

خلال سبعينيات القرن الماضي، كان العالم على موعد مع عودة العلاقات الصينية الأميركية بعد عقود من القطيعة، حيث عادت المياه لمجاريها عقب زيارة تاريخية قام بها الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون للصين قادته للقاء القائد الصيني ماو تسي تونغ الذي قارب عمره حينها الثمانين. ولتحسين علاقاتها مع الجانب الأميركي وإثبات حسن نواياها، لجأت جمهورية الصين الشعبية للاعتماد على تقليد تاريخي عرف بـ"سياسة الباندا" يقتصر على إرسال حيوان الباندا كهدية للطرف الآخر. وعلى حسب العديد من المؤرخين، يعود أول ظهور لهذه العادة التاريخية الصينية للقرن السابع أثناء فترة سلالة تانغ حيث أقدمت الإمبراطورة وو شتيان (Wu Zetian) على إرسال زوج من الباندا لإمبراطور اليابان.

وبعد مضي شهرين فقط على زيارته لبكين، والتي أنهت نحو ربع قرن من العزلة والتصعيد بين الولايات المتحدة الأميركية وجمهورية الصين الشعبية، استقبل الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون وزوجته بات خلال شهر أبريل 1972 ضيفين فريدين من نوعهما تمثّلا في زوج من حيوان الباندا، حمل الأول اسم شينغ شينغ (Hsing-Hsing) والثاني لينغ لينغ (Ling-Ling). ونزل هذان الدبّان الملونان بالأبيض والأسود من طائرة عسكرية بقاعدة "أندروز" الجوية بماريلاند وسط إجراءات أمنية مشددة، ووضعا داخل إحدى السيارات التي عبرت شوارع واشنطن مرفوقة بموكب أمني. لكن بدل التوجه نحو البيت الأبيض، سلك الموكب طريق حديقة الحيوانات الوطنية.

في الأثناء، طالبت العديد من حدائق الحيوانات بالولايات المتحدة الأميركية بأحقيتها وقدرتها على استضافة زوجي الباندا، حيث كان الجميع حينها على دراية بقدرة هذا الحيوان على استقطاب عدد هائل من الزوار بسبب ندرته. وكانت حادثة عام 1958 راسخة في أذهان العديد من الأميركيين، فقبل نحو 14 عاماً أصيب الجميع بالذهول عقب إقدام السلطات الأميركية على منع حديقة حيوانات "بروكفيلد" بشيكاغو من استضافة حيوان باندا بعد أن صنّفته كـ"منتوج شيوعي".

وقبل شهر واحد من قدوم الباندا، قدّم الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون تصريحات مثيرة لصحيفة Washington Star حول هذه الدببة ذات اللون الأبيض والأسود، برر من خلالها اختياره لحديقة الحيوانات الوطنية، مؤكداً أن الباندا سيجلب الكثير من الفضوليين الأميركيين وأنه سيتحول خلال فترة وجيزة لأهم حيوان عرض بأميركا.

ولم تكن الباندا في حاجة لكل هذه الدعاية الإعلامية لجلب الزوار. فمنذ اليوم الأول، تجمهر أكثر من 20000 شخص لمشاهدتها والتقاط الصور، حيث دخلت هذه الحيوانات إلى قلوب الأميركيين بشكل سريع بسبب تصرفاتها العفوية وجمال مظهرها، وخلال الأحد التالي تزايد عدد الفضوليين الذين جاؤوا لمشاهدتها من كامل أرجاء البلاد ليبلغ نحو 75000.

كما ساعدت الباندا العديد من المؤسسات على تحقيق الأرباح، حيث أقبل الأميركيون على صورها التي غزت المجلات واتخذتها بعض الشركات مصدر إلهام لإنتاج ألعاب سرعان ما لقيت رواجا واسعا، وأعجب بها رئيس وزراء بريطانيا إدوارد هيث (Edward Heath) خلال زيارته لواشنطن سنة 1974 لدرجة أن طلب استعارة أحدها لعرضه بلندن.

حققت "سياسة الباندا" النتائج المرجوة بالولايات المتحدة الأميركية، حيث أحبّ الأميركيون هذه الهدية الصينية التي أدخلت البهجة على نفوسهم، فضلا عن ذلك نعتت بعض الصحف زوجي الباندا شينغ شينغ ولينغ لينغ بالدبلوماسيين، بفضل إسهامهما في تحسين صورة الصين.

وبالمقابل، أهدت السلطات الأميركية، بعد ارتباك ومشاورات عديدة، للجانب الصيني قبل وصول الباندا زوجا من حيوان ثور المسك (muskox). وفي المقابل، أثارت هذه الهدية سخط الصينيين، فمنذ البداية أصيب الاثنان بالعديد من الأمراض وفقدا فروهما وشاهدهما عدد ضئيل من الزوار.